الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام ( 1962 ).
يُعدّ الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة الذي أُجري في 5 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1962 أحد أخطر الإجراءات الإدارية التي شهدتها سوريا في القرن العشرين.
فقد تسبب هذا الإحصاء بحرمان عشرات الآلاف من المواطنين الكورد من جنسيتهم السورية، وتحويلهم فجأة إلى فئة من "البدون"، أي أشخاص بلا جنسية ولا حقوق مدنية.
الخلفية التاريخية والسياسية:
بعد استلام حكومة الانفصال ذات التوجه العنصري إلى الحكم في سوريا وتنامي النزعة القومية العربية، تبنّت السلطات سياسات تهدف إلى "تعريب" المناطق الكوردية في الشمال الشرقي من البلاد، خاصة في محافظة الحسكة التي كانت تضم كثافة سكانية كردية كبيرة.
وفي هذا السياق، صدر المرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962 الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني "استثنائي" في محافظة الحسكة خلال يوم واحد فقط، بحجة "تمييز المواطنين السوريين عن المتسللين من تركيا والعراق".
لكن في الواقع كان الهدف السياسي للإحصاء هو نزع الجنسية عن شريحة واسعة من الكورد السوريين بحجة أنهم "دخلاء" على البلاد.
آلية التنفيذ:
تم تنفيذ الإحصاء في يوم واحد فقط، وطُلب من سكان الحسكة أن يتوجهوا إلى المراكز لتقديم الوثائق التي تثبت إقامتهم في سوريا منذ عام 1945 أو قبل ذلك.
ولأن أغلب سكان الريف لم يكونوا على دراية بالإجراءات أو لم يتمكنوا من تقديم الوثائق المطلوبة في الوقت المحدد، تم تصنيفهم على أنهم "أجانب".
بعد الإحصاء، قُسّم الكورد إلى ثلاث فئات:
1-المواطنون السوريون: من ثُبتت إقامتهم.
2-الأجانب: من تم تجريدهم من الجنسية رغم كونهم من أبناء المنطقة.
3-مكتومو القيد: وهم الذين لم يُسجلوا في أي سجلات رسمية، فحُرموا حتى من إثبات الشخصية.
النتائج والتداعيات:
أسفر الإحصاء عن حرمان أكثر من 120 ألف كردي من الجنسية السورية، وامتدت آثار هذا القرار لعقود طويلة.
فقد حُرم هؤلاء من:
حق التملك وتسجيل العقارات والأراضي.
حق التعليم في المدارس والجامعات.
حق العمل في الوظائف الحكومية.
حق السفر والزواج وتسجيل الأطفال.
وقد وُلدت أجيال جديدة من "المكتومين" الذين ورثوا حالة انعدام الجنسية عن آبائهم، ليعيشوا عزلة قانونية واجتماعية خانقة.
الجوانب الإنسانية:
لم يكن الإحصاء مجرد إجراء إداري، بل مأساة إنسانية طالت آلاف العائلات.
أصبح المواطن الكردي الذي خدم في الجيش أو عمل موظفاً في الدولة "أجنبياً" بين ليلة وضحاها، فاقداً لكل حقوقه القانونية.
عانى الأبناء من صعوبة الحصول على التعليم والرعاية، وتحوّل الكثيرون إلى فئة منسية على هامش المجتمع.
الموقف القانوني والحقوقي:
نددت العديد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية بهذا الإجراء، واعتبرته تمييزاً قومياً مخالفاً للدستور السوري وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل لكل إنسان حق الجنسية.
ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بإيجاد حل، لم يُتخذ أي إجراء جدي إلا بعد عام 2011، عندما صدر المرسوم رقم 49 الذي أعاد الجنسية إلى قسم من "أجانب الحسكة"، بينما بقي آلاف آخرون بلا حل نهائي.
نحن في منظمة حقوق في سوريا - ( ماف ) نطالب السلطات السورية بالغاء نتائج ذاك الاحصاء الجائر واعادة جميع الحقوق التي سلبت من هولاء بما فيها التعويض المادي التي لحقت بهم من نتائجه.
يبقى الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 من أكثر القرارات ظلماً في التاريخ السوري الحديث، إذ ترك أثراً عميقاً في البنية الاجتماعية والإنسانية لمنطقة الحسكة، وولّد شعوراً دائماً بالغبن لدى الكورد السوريين.
إن معالجة آثاره اليوم تتطلب اعترافاً رسمياً بالخطأ، وتعويضاً قانونياً وإنسانياً للضحايا، كي تُطوى صفحة منسية من تاريخ المعاناة، ويُفتح باب العدالة والمواطنة المتساوية لكل السوريين.
-منظمة حقوق الإنسان في سوريا - ( ماف ).
-رئيس المنظمة : عبد الباقي اسعد.
05.10.2025
يُعدّ الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة الذي أُجري في 5 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1962 أحد أخطر الإجراءات الإدارية التي شهدتها سوريا في القرن العشرين.
فقد تسبب هذا الإحصاء بحرمان عشرات الآلاف من المواطنين الكورد من جنسيتهم السورية، وتحويلهم فجأة إلى فئة من "البدون"، أي أشخاص بلا جنسية ولا حقوق مدنية.
الخلفية التاريخية والسياسية:
بعد استلام حكومة الانفصال ذات التوجه العنصري إلى الحكم في سوريا وتنامي النزعة القومية العربية، تبنّت السلطات سياسات تهدف إلى "تعريب" المناطق الكوردية في الشمال الشرقي من البلاد، خاصة في محافظة الحسكة التي كانت تضم كثافة سكانية كردية كبيرة.
وفي هذا السياق، صدر المرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962 الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني "استثنائي" في محافظة الحسكة خلال يوم واحد فقط، بحجة "تمييز المواطنين السوريين عن المتسللين من تركيا والعراق".
لكن في الواقع كان الهدف السياسي للإحصاء هو نزع الجنسية عن شريحة واسعة من الكورد السوريين بحجة أنهم "دخلاء" على البلاد.
آلية التنفيذ:
تم تنفيذ الإحصاء في يوم واحد فقط، وطُلب من سكان الحسكة أن يتوجهوا إلى المراكز لتقديم الوثائق التي تثبت إقامتهم في سوريا منذ عام 1945 أو قبل ذلك.
ولأن أغلب سكان الريف لم يكونوا على دراية بالإجراءات أو لم يتمكنوا من تقديم الوثائق المطلوبة في الوقت المحدد، تم تصنيفهم على أنهم "أجانب".
بعد الإحصاء، قُسّم الكورد إلى ثلاث فئات:
1-المواطنون السوريون: من ثُبتت إقامتهم.
2-الأجانب: من تم تجريدهم من الجنسية رغم كونهم من أبناء المنطقة.
3-مكتومو القيد: وهم الذين لم يُسجلوا في أي سجلات رسمية، فحُرموا حتى من إثبات الشخصية.
النتائج والتداعيات:
أسفر الإحصاء عن حرمان أكثر من 120 ألف كردي من الجنسية السورية، وامتدت آثار هذا القرار لعقود طويلة.
فقد حُرم هؤلاء من:
حق التملك وتسجيل العقارات والأراضي.
حق التعليم في المدارس والجامعات.
حق العمل في الوظائف الحكومية.
حق السفر والزواج وتسجيل الأطفال.
وقد وُلدت أجيال جديدة من "المكتومين" الذين ورثوا حالة انعدام الجنسية عن آبائهم، ليعيشوا عزلة قانونية واجتماعية خانقة.
الجوانب الإنسانية:
لم يكن الإحصاء مجرد إجراء إداري، بل مأساة إنسانية طالت آلاف العائلات.
أصبح المواطن الكردي الذي خدم في الجيش أو عمل موظفاً في الدولة "أجنبياً" بين ليلة وضحاها، فاقداً لكل حقوقه القانونية.
عانى الأبناء من صعوبة الحصول على التعليم والرعاية، وتحوّل الكثيرون إلى فئة منسية على هامش المجتمع.
الموقف القانوني والحقوقي:
نددت العديد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية بهذا الإجراء، واعتبرته تمييزاً قومياً مخالفاً للدستور السوري وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل لكل إنسان حق الجنسية.
ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بإيجاد حل، لم يُتخذ أي إجراء جدي إلا بعد عام 2011، عندما صدر المرسوم رقم 49 الذي أعاد الجنسية إلى قسم من "أجانب الحسكة"، بينما بقي آلاف آخرون بلا حل نهائي.
نحن في منظمة حقوق في سوريا - ( ماف ) نطالب السلطات السورية بالغاء نتائج ذاك الاحصاء الجائر واعادة جميع الحقوق التي سلبت من هولاء بما فيها التعويض المادي التي لحقت بهم من نتائجه.
يبقى الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 من أكثر القرارات ظلماً في التاريخ السوري الحديث، إذ ترك أثراً عميقاً في البنية الاجتماعية والإنسانية لمنطقة الحسكة، وولّد شعوراً دائماً بالغبن لدى الكورد السوريين.
إن معالجة آثاره اليوم تتطلب اعترافاً رسمياً بالخطأ، وتعويضاً قانونياً وإنسانياً للضحايا، كي تُطوى صفحة منسية من تاريخ المعاناة، ويُفتح باب العدالة والمواطنة المتساوية لكل السوريين.
-منظمة حقوق الإنسان في سوريا - ( ماف ).
-رئيس المنظمة : عبد الباقي اسعد.
05.10.2025
