معاناة الأطفال الكورد في المخيمات بعد احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبيه

آدمن الموقع
0
مخيم واشو كاني – الهلال الأحمر الكردي
منذ احتلال المدن الكردية في شمال سوريا، عفرين وسري كانيه (رأس العين) وكري سبيه (تل أبيض)، دخل آلاف الأطفال الكورد مرحلة من المعاناة المركّبة التي جمعت بين التهجير القسري، وفقدان الأمن، والحرمان من التعليم، وانهيار البنية الاجتماعية والنفسية التي كانت تحيط بطفولتهم. في المخيمات المنتشرة في شمال وشرق سوريا، يعيش هؤلاء الأطفال اليوم في ظروف قاسية تهدد حاضرهم ومستقبلهم، وتحول طفولتهم إلى فصلٍ من الألم الإنساني المفتوح على المجهول. 
 
أولاً: من المأوى إلى المخيم – رحلة النزوح المؤلمة

عندما اجتاحت القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها مدن عفرين وسري كانيه وكري سبيه بين عامي 2018 و2019، اضطر عشرات الآلاف من الأسر الكردية إلى الفرار من بيوتها تاركة وراءها كل ما تملك. كان الأطفال في مقدمة ضحايا هذا النزوح القسري، حيث فقدوا منازلهم ومدارسهم وأصدقاءهم، وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم.
المخيمات التي استقبلتهم — مثل مخيم “واشوكاني” ومخيم “سردم” و“برخدان” — لم تكن سوى حلول مؤقتة تحولت إلى واقع دائم. هناك يعيش آلاف الأطفال في خيام مهترئة لا تقي من حر الصيف ولا من برد الشتاء، في ظل انعدام الخدمات الأساسية والرعاية النفسية. 
 
ثانياً: الطفولة بين الحرمان والخوف

الطفل الكردي النازح في هذه المخيمات لا يعاني فقط من الجوع والمرض، بل من الصدمة النفسية التي خلّفتها الحرب والتهجير. فالكثير منهم شهدوا قصف منازلهم أو مقتل أقاربهم، وبعضهم ما زال يحمل آثار الخوف العميق في أحلامه وكلامه وسلوكه.
تفتقر المخيمات إلى المراكز النفسية المتخصصة، وغالباً ما تُترك حالات القلق والاكتئاب دون علاج، مما ينعكس على سلوك الأطفال وقدرتهم على التفاعل الطبيعي مع الآخرين.
تقول إحدى الأمهات في مخيم برخدان: “طفلي يستيقظ ليلاً وهو يصرخ، يسألني متى سنعود إلى بيتنا في عفرين، ولا أجد جواباً”. هذه الجملة تختصر مأساة جيلٍ كامل من الأطفال الذين حُرموا من الأمان والذاكرة المكانية التي تمنح الإنسان إحساسه بالانتماء. 
 
ثالثاً: التعليم بين الفقدان والتحدي

من أبرز مظاهر معاناة الأطفال الكورد في المخيمات هو حرمانهم من التعليم المنتظم. فالكثير من المدارس دُمرت خلال الهجمات العسكرية، بينما تعاني مدارس المخيمات من نقص في الكوادر التعليمية والكتب والوسائل التعليمية.
يُضاف إلى ذلك الظروف الصعبة التي تمنع الأطفال من التركيز أو حتى الذهاب إلى المدرسة في بعض الأحيان، بسبب العواصف، أو الأمراض، أو انشغالهم بمساعدة أسرهم في تأمين احتياجات العيش.
وهكذا، يتسرب مئات الأطفال من التعليم سنوياً، ما يهدد بظهور جيل جديد من الأميّة، ويقضي على فرص هؤلاء الأطفال في بناء مستقبل أفضل. فالتعليم ليس ترفاً، بل وسيلة للبقاء والكرامة، ومفتاح للخروج من دائرة التهميش التي فُرضت عليهم قسراً. 
 
رابعاً: غياب الرعاية الصحية والخدمات الأساسية

تعاني المخيمات التي يقيم فيها المهجرون الكورد من نقص حاد في الرعاية الطبية، خاصة للأطفال الذين يحتاجون إلى تطعيمات منتظمة وغذاء متوازن. الأمراض الجلدية والتنفسية منتشرة بشكل واسع بسبب التلوث وسوء الصرف الصحي، في حين تعجز المنظمات الإنسانية عن تغطية الاحتياجات الطبية الأساسية نتيجة القيود السياسية والضغوط الميدانية.
كما أن سوء التغذية أصبح من المشكلات الخطيرة، حيث تفتقر العائلات إلى الغذاء الكافي، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وتأخر النمو الجسدي والعقلي لدى الأطفال. 
 
خامساً: الاستغلال والخطر الاجتماعي

في ظل غياب التعليم والرعاية، يصبح الأطفال في المخيمات عرضة لأشكال مختلفة من الاستغلال. بعضهم يُجبر على العمل في سن مبكرة لمساعدة أسرهم، في أعمال شاقة وخطرة لا تتناسب مع أعمارهم. وهناك حالات متزايدة من الزواج المبكر للفتيات القاصرات نتيجة الفقر واليأس.
كما تتعرض بعض الفئات لخطر الاستقطاب السياسي أو العسكري من قبل جهات مختلفة، ما يشكّل تهديداً مباشراً للطفولة وخرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر تجنيد الأطفال أو إشراكهم في النزاعات المسلحة. 
 
سادساً: الأثر النفسي والاجتماعي طويل الأمد

الآثار النفسية والاجتماعية لمعاناة الأطفال الكورد في المخيمات تتجاوز اللحظة الراهنة. فالأجيال التي تنشأ في بيئة من الخوف والحرمان واللااستقرار تحمل معها شعوراً دائماً بالهشاشة والظلم.
قد يفقد هؤلاء الأطفال الثقة بالمجتمع والعدالة، ويكبرون وهم يحملون ندوباً داخلية من الفقد والعزلة، مما يهدد النسيج الاجتماعي الكردي ذاته على المدى الطويل. فالأطفال ليسوا فقط ضحايا الحروب، بل هم المرآة التي تعكس ما فعله العالم بصمته وتخاذله. 
 
سابعاً: مسؤولية المجتمع الدولي

رغم وضوح الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال الكورد في المخيمات، ما زال الموقف الدولي باهتاً ومحدوداً. المنظمات الأممية تقدم بعض المساعدات الإنسانية، لكنها لا تمتلك القدرة أو الإرادة السياسية لفرض حماية حقيقية لهؤلاء الأطفال، أو ضمان عودتهم إلى مدنهم المحتلة.
تتحمل الدول المتدخلة في الشأن السوري، وكذلك المنظمات الحقوقية، مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه هؤلاء الأطفال، استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل (1989) واتفاقيات جنيف، التي تنص على حماية الأطفال في النزاعات المسلحة ومنع تهجيرهم القسري. 
 
ثامناً: الحاجة إلى حلول مستدامة

إن إنهاء معاناة الأطفال الكورد لا يمكن أن يتحقق عبر المساعدات المؤقتة فقط، بل من خلال حل سياسي وإنساني شامل يضمن عودة المهجرين إلى ديارهم بأمان، وتعويضهم عن الأضرار، وإعادة بناء المدارس والمراكز الصحية، وتوفير برامج دعم نفسي وتعليمي متكاملة.
كما يجب دعم المنظمات المحلية التي تعمل في شمال وشرق سوريا على تأمين احتياجات الأطفال، وتمكينها من لعب دور فاعل في إعادة تأهيل الجيل الذي تعرض لأقسى أشكال الحرمان. 
 
خاتمة

إن معاناة الأطفال الكورد في المخيمات بعد احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبيه ليست مأساة إنسانية عابرة، بل جرح مفتوح في ضمير العالم. هؤلاء الأطفال لا يطلبون أكثر من حقهم في بيتٍ آمن ومدرسة وابتسامة.
لكن صمت العالم أمام معاناتهم يجعل الطفولة في شمال سوريا تدفع ثمن السياسة والمصالح الدولية. إن إنقاذ هؤلاء الأطفال هو مسؤولية إنسانية كبرى، لأن كل طفل ينام تحت خيمة ممزقة في البرد، هو شهادة على فشل العدالة الدولية، ونداء أخلاقي يذكّرنا بأن الكرامة لا تُجزّأ، وأن حقوق الطفولة هي آخر خطوط الدفاع عن إنسانيتنا جميعاً.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!