المُعدّ: فريق منظمة حقوق الإنسان في سوريا - ماف
التاريخ المرجعي: واقعيات ميدانية وسياسية حتى منتصف أكتوبر 2025 (تضمّننا تقارير صحفية ورصد إعلامي دولي).
التاريخ المرجعي: واقعيات ميدانية وسياسية حتى منتصف أكتوبر 2025 (تضمّننا تقارير صحفية ورصد إعلامي دولي).
1. مقدّمة وخلفية موجزة
في ديسمبر 2024 شهدت سوريا تحوّلاً مفصلياً تمثل بتسليم السلطة لطرف جديد برئاسة أحمد الشرع بعد هجوم مسلّح واسع انتهى بانهيار حكم بشار الأسد في أماكن عديدة. شكلت هذه الفترة حكومة انتقالية، وتلتها خطوات رسمية لتثبيت إدارة مؤقتة ثم إعلان مرحلة انتقالية أوسع. لقد صاحب هذا الانتقال موجة من التفاؤل الدبلوماسي الخارجي من جهة، ومن جهة أخرى تصاعدت توترات أمنية داخلية واندلاع اشتباكات وعمليات انتقامية في بعض المناطق.
2. الإطار السياسي والأمني وتأثيره على الحقوق
التركيبة السياسية: اتخذت السلطة الجديدة خطوات سريعة لإعادة تركيب مؤسسات الدولة (تشكيل حكومة انتقالية، إعلان مجلس أمن قومي، اتصالات دبلوماسية مع قوى إقليمية). هذا إعادة تشكيل تحمل في طيّاتها إمكانات إصلاحية لكنها أيضاً تفتح ثغرات أمنية وسياسية.
تدهور أمني في بعض المناطق: اندلعت مواجهات متقطّعة بين بقايا عناصر النظام السابق وقوات تتبع الإدارة الجديدة، إلى جانب توترات طائفية ومواجهات انتقامية في ساحات محددة (خاصة السواحل والمناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد سابقاً)، ما نتجت عنه أعمال عنف ضد مدنيين وعمليات نزوح داخلي. هذا المناخ الأمني يضع أولوية قصوى على حقوق الحياة والحماية من العنف.
3. الحريات المدنية وحرية التعبير
قواعد جديدة لكن ضبابية تنفيذية: مع بروز إدارة جديدة صدرت تصريحات عن نوايا لتوسيع الحريات وإجراء إصلاحات، لكن لا تزال القوانين الانتقالية والمرسومات التنفيذية غير مكتملة، مما يخلق إطاراً قانونياً غامضاً قد يُستخدم لتقييد حرية التعبير باسم "الأمن الوطني" أو "حماية الانتقال". هذا الفراغ التشريعي يُعدّ عامل خطر أمام الإعلام والنشطاء.
الواقع الفعلي: تقارير ميدانية أولية تُشير إلى استمرار اعتقالات وتعرض صحفيين ونشطاء لمضايقات في مناطق محددة، خصوصاً حيث تبرز مقاومة مسلّحة أو حاضنة اجتماعية لبقايا النظام السابق. يُنصح بمتابعة حالات الاعتقال التعسفي ومساءلة الجهات القائمة على إنفاذ القانون.
4. أوضاع الاحتجاز والمعتقلين والمفقودين
قضية السجون والمعتقلين: كانت قضية السجون ومراكز الاحتجاز من أهم الملفات التي وُجّهت للسلطة الجديدة؛ إذ أعلنت قيادات انتقالية نيات لإغلاق بعض السجون أو إعادة تنظيمها. مع ذلك، لا تزال مطالب العائلات بمعرفة مصير آلاف المفقودين قائمة، وهناك تقارير عن العثور على جثث ومقابر جماعية في مناطق أُعيدت السيطرة عليها. هذا الملف يمثل اختباراً حقيقياً لمصداقية الانتقال في مجال العدالة الانتقالية.
5. الحماية الجماعية للأقليات والتهديدات الطائفية
خطر العنف الطائفي والتقويض الاجتماعي: تصاعدت مخاوف من موجات انتقامية أو عنف طائفي بعد سقوط رموز النظام في بعض المناطق، وخصوصاً في السواحل ذات الأغلبية العلوية. المعطيات الإعلامية تشير إلى حوادث عنف متفرقة ونداءات من قِبَل قوى محلية للمصالحة، بينما تدعو مجموعات أقلية إلى ضمانات دستورية لحمايتها. هذا يضع سياقاً حساساً لحقوق الأقليات ويستلزم ضمانات دستورية وقيود قانونية واضحة ضد جرائم الكراهية والتمييز.
6. الحق في النزوح واللجوء والعودة
أزمة نزوح جديدة ومخاوف من ترحيل قسري: الاشتباكات والاعتداءات في بعض المناطق أدت إلى موجات نزوح داخلي، فيما تطالب بعض جهات دولية بتسهيل عودة اللاجئين الطوعية الآمنة والمراقبة. يجب أن تكون عودة النازحين مبنية على معايير السلامة والكرامة والعودة الطوعية الخاضعة لمراقبة أممية. أي عمليات إعادة قسرية أو تغيير ديموغرافي ستشكّل انتهاكاً للقانون الدولي.
7. العدالة الانتقالية والمساءلة عن الانتهاكات السابقة
فرص ومخاطر: تشكّل الفترة الانتقالية فرصة لإحراز تقدم في ملفات المساءلة عن انتهاكات الحقبة السابقة (جرائم حرب، تعذيب، اختفاء قسري)، لكن الفاعلية تتوقف على استقلالية القضاء، وإمكانية التحقيقات غير المتحيزة، وحماية الشهود والضحايا. غياب إرادة سياسية أو محاولات للتساهل مع مرتكبي جرائم خطيرة سيكرّس الإفلات من العقاب ويقوّض ثقة المجتمع.
8. التفاعل الدولي وسبل الضغط والحماية
انفتاح دبلوماسي متدرّج: شهدت مرحلة ما بعد انتقال السلطة لقاءات وزيارات خارجية (زيارات رفيعة المستوى من قِبَل الرئيس الشرع)، وهو ما يتيح آلية ضغط دولي مشروط بالمراقبة الحقوقية واشتراطات الشفافية في مقابل إعادة الاعتراف والتمويل لإعادة الإعمار. لا ينبغي للدول المانحة أن تقدم غطاءً سياسياً دون ضمانات واضحة بحماية حقوق الإنسان.
9. مؤشرات إنسانية واجتماعية واقتصادية مرتبطة بحقوق الإنسان
تدهور الخدمات والاقتصاد والحق في الحياة الكريمة: النزاع المستمر والانقسام السياسي ألحقا دماراً بالبنى التحتية (مستشفيات، مدارس، شبكات مياه)، ما يؤثر مباشرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الحق في الصحة، التعليم، المسكن والعمل. أزمات الغذاء والطاقة والبطالة قد تؤدي إلى هشاشة اجتماعية مضاعفة وعرضة للانتهاكات.
10. خلاصة تقييمية سريعة (نقاط أساسية)
فرصة مؤسساتية محققة: الانتقال عن حكم الأسد وظهور إدارة جديدة قد يتيحان نافذة لإصلاحات حقوقية حقيقية—لكنها نافذة محفوفة بالمخاطر.
مخاطر أمنية وطائفية حقيقية: اندلاع أعمال عنف انتقامية يهدد استقرار الحقوق الأساسية للأقليات والمدنيين.
قضايا الاحتجاز والمختفين بحاجة إلى آليات مستقلة: لإرساء ثقة الضحايا والمجتمع الدولي.
الالتزام الدولي مرهون بالضمانات: دعم إعادة الإعمار أو عودة اللاجئين يجب أن يكون مشروطاً بإجراءات حماية حقوق الإنسان.
11. توصيات عملية ملموسة
للسلطة الانتقالية:
إعلان وإرساء خريطة طريق حقوقية: تضمّ خطوات زمنية واضحة لإصلاح القضاء، وإلغاء القوانين القمعية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين غير المحكومين بما يحقق المصلحة العامة.
إنشاء آلية وطنية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات (بضمان مشاركة المجتمع المدني ومراقبة أممية)، مع حماية آمنة للشهود.
اعتماد سياسة عامة للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين تحت إشراف جهات أممية مستقلة.
للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية:
تكثيف توثيق الانتهاكات وإيصال ملفات موثوقة ومؤرخة إلى هيئات أممية ولجان تحقيق مستقلة.
توفير دعم نفسي وقانوني للضحايا، وبناء شبكات حماية محلية للأقليات والمجموعات المُعرّضة للخطر.
للمجتمع الدولي والهيئات الأممية:
ربط الاعتراف أو الدعم المالي بمؤشرات قابلة للقياس في مجال حقوق الإنسان (إطلاق سراح معتقلين، شفافية في قضايا القضاء، إلخ).
توسيع برامج الحماية الإنسانية ودعم برامج الترميم الاجتماعي وتوفير آليات لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة.
12. نقاط مناهجية ومنهج البحث
يعتمد هذا التقرير على رصد الأخبار الميدانية والتحليلات المنشورة حتى منتصف أكتوبر 2025 (مصادر صحفية وموسوعية وتنبيهات ميدانية). بعض الفجوات في المعلومات تبقى قائمة بسبب صعوبة الوصول الميداني إلى مناطق نزاعية واستمرار العمليات الأمنية، لذا يجب قراءة النتائج مع الوعي بوجود معلومات قد تتبدّل بسرعة على الأرض.
13. خاتمة
تشكّل فترة ما بعد سيطرة أحمد الشرع مفصلاً تاريخياً يحمل إمكانية إصلاحات حقوقية جوهرية، لكنه يعجّ بالمخاطر الأمنية والانتقامية والهشاشة المؤسسية. نجاح أي مسعى لحماية الحقوق يعتمد على إرادة سياسية حقيقية، وقدرة المجتمع المدني والمجتمع الدولي على تحويل وعود المرحلة الانتقالية إلى ضمانات قانونية ومؤسساتية تحمي الحياة والكرامة لجميع السوريين بلا تمييز.
مصادر رئيسية استخدمت في الصوغ والمراجع
تغطية وكالة الأسوشييتد برس عن زيارة الرئيس أحمد الشرع لموسكو (15 أكتوبر 2025).
تقرير رويترز عن تصريحات قائد المجموعات بعد إسقاط النظام وخطط حل قوات النظام وإغلاق السجون (ديسمبر 2024 / 2025).
تقرير رويترز-نسخة عربية عن تصاعد التوترات الطائفية وتهديدات التقسيم (سبتمبر 2025).
مدخل موسوعي والتحليل السياسي حول أحمد الشرع وسياسته (ويكيبيديا الإنجليزية / العربية بالملخّصات المتاحة).

